مساكن وقصور أهل الجنـة
وإذا دخلتَ الجنة يا ولي الله يدخل أمامك ملك، فيأخذ بك في سككها، فيقول لك: انظر ما ترى، فتقول: أرى أكثر قصور رأيتها من ذهب وفضة، وأكثر أنيس، فيقول لك الملك: فإن هذا أجمع لك، حتى إذا رُفعتَ إليهم استقبلوك من كل باب، ومن كل مكان، يقولون: نحن لك، ثم يقول لك الملك: امش، فتمشي، فيقول الملك: ماذا ترى؟ فتقول: أرى أكثر عساكر رأيتها من خيام، وأكثر أنيس، فيقول الملك: فإن هذا أجمع لك، فإذا رُفعتَ إليهم استقبلوك وقالوا: نحن لك.
ومنزلك في الجنة لؤلؤة، فيها أربعون ألف دار، وفيها شجرة تنبت الحلل، فتأخذ بإصبعيك سبعين حلة، متمنطقة باللؤلؤ والمرجان. وفيها مساكن طيبة في جنات عدن، وإنك لأدل على منزلك في الجنة من منزلك الذي كان لك في الدنيا. ومسكنك في الجنة قصر من لؤلؤة بيضاء، فيها سبعون دارا من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتا من زمردة خضراء، في كل بيت سبعون سريرا، على كل سرير فراش، لون على لون، على كل فراش امرأة من الحور العين. في كل بيت مائدة، على كل مائدة سبعون قصعة، وعلى كل مائدة سبعون وصيفا ووصيفة، يعطيك الله عز وجل في غداة واحدة من الشهوة والقوة ما تأكل ذلك الطعام، وتطوف على تلك الأزواج.
وعلى أبواب قصورك كثبان من مسك، تزور الله جل وعلا في الجمعة مرتين، فتجلس على كرسي من ذهب، مكلل باللؤلؤ والياقوت والزبرجد، تنظر إلى الله عز وجل، وينظر إليك، فإذا قمتَ انقلبتَ إلى الغرفة من غرفك، ولها سبعون باباً، مكللة بالياقوت والزبرجد.
طيـور الجنـــة
وتنظر من حولك، فترى طيور الجنة، كأمثال البخت، ترعى في شجر الجنة، أعناقها كأعناق الجزر، وإنها لناعمة، وأنت أنعم منها، تنظر إلى أحدها فيخر بين يديك مشويا، ويقول لك: يا ولي الله، أمّا أنا فقد رعيتُ في واد كذا وكذا، وأكلتُ من ثمار كذا وكذا، وشربتُ من ماء عين كذا وكذا، وسني كذا، وريحي كذا، فكل مني، فإذا اشتهيتَ حسن الطير واشتهيتَ صفته، ووقع في نفسك، وقع الطائر على ما تريد، قبل أن تتكلم، نصفه قديدا ونصفه شواء، متفلقا نضجا.
وتشتهي طيرا آخر، فيجيء مثل البختي، حتى يقع عل خوانه، لم يصبه دخان، ولم تمسه نار، فتأكل منه حتى تشبع، ثم يطير. فيقع عل صحفتك طير غيره، له سبعون ألف ريشة، فينتفض، فيقع من كل ريشة لون أبيض من الثلج، وألين من الزبد، وألذ من الشهد، ليس منها لون يشبه صاحبه، فتأكل منه حتى تشبع، ثم يطير. وكلما شبعتَ ألق الله عليك ألف باب من الشهوة في الأكل. ثم تؤتى بالشراب، على برد الكافور، وطعم الزنجبيل، وريح المسك، فتشرب، فإذا شربتَ هضمت ما أكلت من الطعام، وإنك لتأكل مقدار أربعين عاما.
الحـور العــــين
وتأتيك الأزواج المطهرة، والعين الغنجات، بوشح الكرامة متزينات، بالمسك متزملات، حدق أعينهن كاحلات، وأطرافهن خاشعات، وفروقهن مكللة بالدر، مركبة بالياقوت، ينادين بأصوات غنجة رخيمة لذيذة، يقلن: نحن الخالدات فلا نموت أبدا، ونحن الغانجات فلا نبأس أبدا، ونحن المقيمات فلا نظعن أبدا، ونحن الراضيات فلا نسخط أبدا، ونحن الحور الحسان، أزواج أقوام كرام، ونحن الأبكار السوام، للعباد المؤمنين، طوبى لمن كان لنا وكنا له.
أنشأهن الله إنشاءً، فجعلهن أبكارا، عاشقات لأزواجهن، مستويات في الأسنان، حسان جمال، كأمثال اللؤلؤ المكنون، كأنهن الياقوت والمرجان، مشيها هرولة، ونغمتها شهية بهية، فائقة وامقة، لزوجها عاشقة، وعليه محبوسة، وعن غيره محجوبة، قاصرة الطرف عن الرجال، فلا تنظر إلى غير زوجها. لم يطمثها إنس قبله ولا جان، كلما أصابها زوجها وجدها عذراء، عليها سبعون حلة، مختلفة الوُشِيِّ والألوان، حملها أهون عليها وأخف من شعرها.
فما من أحد يدخله الله الجنة إلا زوجه اثنتين وسبعين زوجة، اثنتين من الحور العين، وسبعين من ميراثه من أهل النار، (ميراثه من أهل النار يعني رجالا دخلوا النار فورث أهل الجنة نساءهم كما وُرِثَتْ امرأة فرعون)، ما منهن واحدة إلا ولها قبل شهي، وله ذكر لا ينثني، ويعطى قوة مائة شاب في الجماع، فيجامع مقدار أربعين سنة، وله في كل يوم مائة عذراء، بذكر لا يمل ولا ينثني، وفرج لا يحثى ولا يمنى. على كل واحدة منهن سبعون حلة، يرى مخ ساقها من وراء الثياب.
أصناف الحـور العـين
ولك يا ولي الله ما اشتهت نفسك من الحور العين، فهن أصناف، ففيهن حوراء يقال لها اللُّعبة، كل حور الجنات يُعجبن بها، يَضربن بأيديهن على كتفها ويقلن: طوبى لك يا لُعبة، لو يعلم الطالبون لك لجدّوا، بين عينيها مكتوب: {من كان يبتغي أن يكون له مثلي فليعمل برضاء ربي}. وفيهن حوراء يتباهى أهل الجنة بحسنها، ولولا أن الله تعالى كتب على أهل الجنة أن لا يموتوا لماتوا من حسنها. وفيهن حوراء يقال لها العيناء، إذا مشت مشى حولها سبعون ألف وصيف عن يمينها، وعن يسارها كذلك، وهي تقول: أين الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر. فتختارَ -يا عبد الله- منهن أو من غيرهن من تشاء، وتجامعها مقدار عمرك في الدنيا، فلا مقطوعة ولا ممنوعة.
أول لقـاء بالحوراء
فأنت -يا ولي الله- عندما تخرج من قبرك، تتلقاك النجائب، فتركب وتأكل وتشرب وتتنخم، حتى تصل إلى باب الجنة، فترى عينين من عيون الجنة، فتشرب من أحدهما، وتتوضأ من الأخرى، فإذا أنت على طول آدم؛ ستون ذراعاً في السماء، وعلى صبر أيوب، وعلى جمال يوسف، وعلى سن عيسى، ثلاثة وثلاثون عاماً، وعلى أخلاق محمد، عليهم جميعا الصلاة والسلام. فإذا جئتَ لتدخل من باب الجنة، جاءتْ أزواجك من الحور العين يتلقونك بالغناء والمعانقة والتقبيل.
وإذا خرجتَ من قبرك استُقبلْتَ بنوق بيض لها أجنحة، عليها رحال الذهب، شرك نعلك نور يتلألأ، كل خطوة منها مثل مد البصر، فتنتهي إلى باب الجنة، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب ، وإذا شجرة على باب الجنة ينبع من أصلها عينان، فإذا شربتَ من أحدهما جرت في وجهك بنضرة النعيم، وإذا توضأت من الأخرى لم يشعث شعرك أبداً، فتضرب الحلقة بالصفيحة، فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل، فتستخفها العجلة، فتبعث قَيِّمها فيفتح لك الباب، فلولا أن الله عز وجل عرّفك نفسك لخررتَ له ساجداً، مما ترى من النور والبهاء، فيقول القَيِّم: أنا قَيِّمك الذي وُكِّلْتُ بأمرك، فتتبعه، وتقفو أثره، فتأتي زوجتك، فتستخفها العجلة، فتخرج من الخيمة، فتعانقك، وتقول لك: أنت حبي وأنا حبك، وأنا الراضية فلا أسخط أبداً، وأنا الناعمة فلا أبأس أبداً، وأنا الخالدة فلا أظعن أبداً، فتدخل بيتاً من أساسه، وطرائق صفر ما منها طريقة تشاكل صاحبتها، فتأتي الأريكة، فإذا عليها سرير، على السرير سبعون فراشاً، على كل فراش سبعون زوجة، على كل زوجة سبعون حلة، ترى مخ ساقها من باطن الحلل، تفضي جماعهن في مقدار ليلة. تجري من تحتكم أنهار مطردة، وأنهار من ماء غير آسن، صاف ليس فيه كدر، وأنهار من عسل مصفى، لم يخرج من بطون النحل، وأنهار من خمر لذة للشاربين، لم تعصره الرجال بأقدامها، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، لم يخرج من بطون الماشية. فإذا اشتهيت الطعام جاءتك طير بيض، فترفع أجنحتها، فتأكل من جنوبها من أي الثمار شئت، إن شئت قائماً، وإن شئت متكئاً. وبين يديك خدم كاللؤلؤ، يطيعونك، ولا يعصون لك أمرا.
ويساق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً، حتى إذا انتهوا إلى باب من أبوابها، وجدوا عنده شجرة يخرج من تحت ساقها عينان تجريان، فعمدوا إلى إحداهما، كأنما أمروا بها، فشربوا منها، فأذهبت ما في بطونهم من أذى أو قذى أو بأس، ثم عمدوا إلى الأخرى، فتطهروا منها، فجرت عليهم بنضرة النعيم، فلن تتغير أبشارهم تغييراً بعدها أبداً، ولن تشعث أشعارهم، كأنما دهنوا بالدهان، ثم انتهوا إلى خزنة الجنة، فقالوا: (سلامُ عليكم طبتم فادخلوها خالدين)، ثم يلقاهم الوِلْدان، يطيفون بهم كما يطيف وِلْدان أهل الدنيا بالحميم، فيقولون: أبشر بما أعد الله لك من الكرامة، ثم ينطلق غلام من أولئك الوِلْدان إلى بعض أزواجك من الحور العين، فيقول: قد جاء فلان، باسمه الذي يُدعى به في الدنيا، فتقول: أنت رأيتَه، فيقول: أنا رأيتُه، وهو ذا بأثري، فيستخف إحداهن الفرح، حتى تقوم على أسكفة بابها، فإذا انتهيت إلى منزلك نظرتَ إلى أي شيء أساس بنيانه، فإذا جندل اللؤلؤ، فوقه صرح أخضر وأصفر وأحمر، ومن كل لون، ثم ترفع رأسك فتنظر إلى سقفه، فإذا مثل البرق، لولا أن الله قدر لك لذهب ببصرك، ثم تطأطئ رأسك، فتنظر إلى أزواجك، وإلى أكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة، فتنظر إلى تلك النعمة، ثم تتكئ وتقول: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله)، ثم ينادي منادٍ: تحيون فلا تموتون أبداً، وتقيمون فلا تظعنون أبداً، وتصحّون فلا تمرضون أبدا.
وعندما تدخل يا ولي الله من باب الجنة، يتلقاك غلمانك، فيقولون: مرحباً بسيدنا، قد آن لك أن تزورنا، فتُمد لك الزرابي أربعين سنة، ثم تنظر عن يمينك وشمالك، فترى الجنان، فتقول: لمن ما ها هنا؟ فيُقال: لك، حتى إذا انتهيتَ رُفعتْ لك ياقوتة حمراء، أو زبرجدة خضراء، لها سبعون شِعباً، في كل شِعبٍ سبعون غرفة، في كل غرفة سبعون باباً، فيُقال لك: اقرأ وارق، فتقرأ وترقى، حتى إذا انتهيتَ إلى سرير ملكك اتكأتَ عليه، سعته ميلٌ في ميل، ولك فيه قصور، فيسعى إليك غلمانك بسبعين صحفةً من ذهب، ليس فيها صحفة فيها من لون أختها، تجد لذة آخرها كما تجد لذة أولها، ثم يسعون إليك بألوان الأشربة، فتشرب منها ما اشتهيت، ثم يقول الغلمان: اتركوه وأزواجه، فينطلق الغلمان، ثم تنظر، فإذا حوراء من الحور العين جالسة على سرير ملكها، عليها سبعون حلة، ليس منها حلة من لون صاحبتها، فترى مخ ساقها من وراء اللحم والدم والعظم، والكسوة فوق ذلك، فتنظر إليها وتقول: من أنتِ؟ فتقول لك: أنا من الحور العين اللاتي خُبئن لك، فتنظر إليها أربعين سنة، لا تصرف بصرك عنها، لشدة جمالها، ثم ترفع بصرك إلى الغرفة، فإذا أخرى أجمل منها، فتقول الحوراء: أما آن لك أن يكون لنا منك نصيب؟ فترقى إليها أربعين سنة، لا تصرف بصرك عنها.
ثم إذا بلغ النعيم منا كل مبلغ، وظننا أن لا نعيم أفضل منه، تجلى لنا الرب تبارك اسمه، فننظر إلى وجهه الكريم، فيقول جل في علاه: يا أهل الجنة، هللوني، فنتجاوب بتهليل الرحمن، ثم يقول: يا داود، قم فمجدني كما كنت تمجدني في الدنيا، فيمجد داود ربه عز وجل، بصوت لم تسمع الخلائق مثله.